الثلاثاء، 27 غشت 2013

مدارس أطفال أميركية تلجأ لبرنامج سنغافوري لتعليم الرياضيات

عندما خطا الأطفال أولى خطواتهم إلى روضة الأطفال، كان الأطفال في هذه الضاحية الثرية يحفظون الأرقام بالفعل، لذا كان معلموهم قلقين من أن يكون برنامج الرياضيات الجديد بالغ السهولة بالنسبة لهم عندما يتناول العددين 1 و2 طوال أسبوع كامل.
وقال كريس كوفللو، الذي يقوم بالتدريس لـ16 طالبا بين الخامسة والسادسة من العمر: «هل يمكن أن أتحدث عن الرقم 1 لمدة 45 دقيقة؟ لم أكن على يقين من ذلك، لكني عندئذ اكتشفت أنني قادر على ذلك. قبل ذلك، كان لدينا مساحة كبيرة كي نغطيها، والآن أصبح الأمر بلا نهاية ويشغل تفكير الأطفال».

يعد هذا النظام - الأكثر بطئا - حجر الزاوية في نهج المقاطعة الجديد لتدريس الرياضيات، حيث يعتمد على نظام الرياضيات الوطني لسنغافورة، ويهدف إلى محاكاة نجاح تلك الدولة، التي عادة ما يحصل طلابها على المراكز المتقدمة أو القريبة منها في اختبارات الرياضيات الدولية منذ منتصف التسعينات، عبر تشجيع فهم أعمق للأرقام والمفاهيم الرياضية.
وتأتي فرانكلين ليكس، التي تبعد 30 ميلا شمال غربي منهاتن، كواحدة من بين عشرات المقاطعات بدءا من سكارسدال في نيوجيرسي، إلى ليكسنغتون في كنتاكي، التي تبنت في السنوات الأخيرة نظام سنغافورة في تعليم الرياضيات، وسط مخاوف متنامية من افتقار نسبة كبيرة من الطلبة الأميركيين مهارات الرياضيات العالية المطلوبة للاقتصاد العالمي.
وقد دفعت الجهود الرامية إلى تحسين مهارات الطلبة الأميركيين، المدارس، على مدى عقود، إلى تبني أكثر من برنامج رياضيات، فخلال عقد الستينات تبنت المدارس برنامج «نيو ماث»، الذي ركز على النظريات المجردة ودفع إلى العودة إلى الأساسيات، مؤكدا على ضرورة التعلم عبر الحفظ والتدريبات، لكن البرنامج لم يثبت كفاءة، فتم التحول في ما بعد إلى «ريفورم ماث»، الذي سخر النقاد من تركيزه على حل المشكلات والإدراك المفاهيمي الذي وصفوه بـ«الرياضيات الجديدة».
ربما يكون برنامج «رياضيات سنغافورة» اختراعا جديدا أيضا، لكن مناصري هذه الطريقة يقولون إنها تبدو السبيل الأمثل للتغلب على الصعوبات التي تواجهها المدارس في تدريس الرياضيات، حيث كل الأطفال يتعلمون بطريقة مختلفة. وعلى عكس أغلب برامج الرياضيات في الولايات المتحدة، يخصص برنامج «رياضيات سنغافورة» وقتا أطول لموضوعات أقل، لضمان إتقان الأطفال المادة عبر تعليمات تفصيلية وأسئلة وحل مسائل والمساعدة البصرية واستخدام الأدوات المساعدة مثل المربعات والبطاقات والجداول. ولا ينتقل الطلاب إلى الرقم التالي حتى يفهموا الموضوع فهما جيدا.
ويرى مديرو المدارس والمعلمون أن البطء في عملية التعليم تعطي الطلبة أسس رياضيات قوية يمكنهم البناء عليها للحصول على مهارات رياضية متطورة، وجعلهم أقل احتمالية لأن ينسوا، وينبغي مراجعة تلك المواد التي درست في السنوات التالية.
ومع برنامج «رياضيات سنغافورة»، يتسارع التقدم خلال الصفين الرابع والخامس، مما يجعل الأولاد متقدمين على نظرائهم في برامج الرياضيات الأخرى في فهم المسائل المعقدة بسرعة أكبر.
وقال دانيل سانتورو، مساعدة مدير المدرسة العامة 132 في ويليامسبورغ، في بروكلين، التي أدخلت نظام سنغافورة العام الماضي لكل طلاب روضة الأطفال الـ700 عبر الصف الخامس: «برنامجنا القديم (إفري داي ماث)، لم يقم بذلك. ففي أحد الأيام يكون الحديث عن المال، وفي اليوم التالي عن الوقت.. ولا تعود إلى هذه الأفكار قبل بعد أسبوع».
الميزة الكبيرة في برنامج «رياضيات سنغافورة» هو أنه قلص حروب الرياضيات في العقود الأخيرة حول تدريس الرياضيات التقليدية أو «ريفورم ماث»، فقد وصف المعلمون والآباء برنامج «رياضيات سنغافورة» بأنه المنهج الأكثر توازنا بين الاثنين، حيث يمزج بين نظام الحلول الحسابية القديمة بالتمثيل البصري والتفكير النقدي.
ويقوم معلمو الرياضيات في مدارس فرانكلين ليكس بتعلم نظام الرياضيات الجديد خلال نقلهم المعرفة إلى طلابهم. ففي صباح أحد أيام الأسبوع الماضي عمل كوفللو مع 6 مدرسين آخرين ومستشار حول كيفية تعزيز الرقم 8 لدى الأطفال. في البداية قدموا لحنا جذابا حول 8 برتقالات، ثم بدأوا بالعد واحدا تلو الآخر في الوقت الذي حاولوا فيه تكوين الرقم 8.
برنامج «رياضيات سنغافورة» قام بتطويره وزير التعليم السنغافوري قبل 30 عاما، وتم استيراد كتب الرياضيات منذ أكثر من عشرة أعوام. كان أوائل من تبنوا هذا النظام التعليمي الآباء الذين يعلمون أبناءهم في المنازل وعدد قليل من المدارس التي سمعت به.
واليوم يمكن إيجاد البرنامج الجديد في مدارس الحي مثل المدرسة «بي إس 132»، التي تخدم الطلبة الفقراء، إلى جانب مدارس النخبة مثل مدرسة «هانتر كولدج» الابتدائية، وهي مدرسة عامة للطلاب الموهوبين في منهاتن، وكذلك مدرسة «سيدويل فريندز» في واشنطن، وهي مدرسة خاصة تدرس فيها ابنتا الرئيس باراك أوباما.
وتشير شركة «SingaporeMath.com» التي تقوم بتوزيع كتب «الرياضيات الأولية» في الولايات المتحدة إلى أنها تبيع هذه الكتب إلى أكثر من 1500 مدرسة، ضعف العدد في عام 2008. كما تستخدم الآن كتب «ماث إن فوكاس»، النسخة الأميركية من سلسلة الرياضيات الشهيرة في سنغافورة، التي تصدرها دار «هوتون ميفلين هاركورت»، في مدارس أكثر من 120 مقاطعة و60 مدرسة عامة مستقلة والمدارس الخاصة، كما يقول الناشر.
ويؤكد أحد الأبحاث التي أجريت مؤخرا أن الطلبة الذين يتعلمون منهج «رياضيات سنغافورة» يحققون درجات أعلى في اختبارات الرياضيات الموحدة، ونقل التقرير عن المدرسين قولهم إن البرنامج يساعد حتى الأطفال الصغار على تطوير ثقتهم في قدراتهم الحسابية. لكن مسؤولي المدارس حذروا من أن برنامج «رياضيات سنغافورة» ليس سهلا أو رخيصا لكي يتم تبنيه بنجاح.
ففي بعض المقاطعات، أبدى بعض أعضاء مجالس إدارة بعض المدارس وأولياء الأمور شكوكا حول استيراد برنامج تعليم رياضيات أجنبي. فالكتب تبدو مختلفة عن الكتب القياسية، من حيث قلة الصفحات، والصور الملونة، والرسوم البيانية، والنسخ القديمة تحتوي على إشارات إلى الكاري وفاكهة الرامبوتان الآسيوية.
تتكلف الكتب والمواد بصورة أولية ما بين 40 إلى 52 دولارا للطالب الواحد مقاربة بالبرامج الأخرى في الولايات المتحدة. وكما هو الحال مع برامج الرياضيات الأخرى في الولايات المتحدة ربما تستبدل كتب التدريبات عاما تلو الآخر، لكن تدريب المدرسين يمكن أن يكون مكلفا.
ويقول جيفري توماس، أستاذ التاريخ الذي أسس شركة «SingaporeMath.com» مع زوجته دون، بعد استخدام الكتب لتعليم ابنتهم في المنزل في ضواحي بورتلاند بولاية أوريغون، إن ما يزيد على 10 مدارس بدأت في التخلي عن برنامج «رياضيات سنغافورة»، وكان من بين الأسباب وراء ذلك افتقار المدرسين أنفسهم للخلفية القوية في الرياضيات والتدريب الملائم في البرنامج.
عندما تحولت مقاطعة سكارسدال إلى تعليم برنامج «رياضيات سنغافورة» في مدارسها الابتدائية في عام 2008، زادت من عدد مدربي الرياضيات إلى ثلاثة لمساعدة 110 مدرسي فصول في تعلم المادة، وأنفقت المقاطعة 121 ألف دولار على كتب «الرياضيات الأولية»، و24632 دولارا على المواد الخاصة بالمعلمين.
وخلال حصة رياضيات للصف الرابع، كتب بيل جاكسون بعض الملاحظات، فعلى مدى ما يقرب من ساعة نظر الطلب بعناية إلى رقم واحد هو 82566 (عدد المقاعد في استاد «نيو ميدولاندز»، حيث يلعب فريقا كرة القدم الأميركية غاينتس وغيتس)، حيث قاموا بتكوين الرقم بالمكعبات على سجادة ثم قاموا برسمه بيانيا على لوحة ذكية، وأخيرا قاموا بحل التمارين.
وقال جاكسون إن الطلاب انتقلوا عبر عملية تعليمية من 3 مراحل هي الواقعية، ثم التصويرية الملموسة، وأخيرا المجردة. وتتخطى برامج الرياضيات الأميركية المرحلة الثانية وهو ما يتسبب في تشتت الطلبة عند القفز من المرحلة الواقعية (المكعبات) إلى الأسئلة.
بدأ جاكسون تجربة برنامج «رياضيات سنغافورة» خلال تدريسه في المدرسة (رقم 2) في باترسوم بولاية نيوجيرسي عام 2000، وكانت نتائج الاختبار مختلطة واستبدلته المدرسة بعد 4 أعوام. لكن جاكسون كان يستخدمه عند الحاجة إلى إليه، وقال عن ذلك: «تعلمت المزيد من الرياضيات من (رياضيات سنغافورة) أكثر مما تعلمت خلال المرحلة الثانوية أو الجامعة».
هنا في فرانكلين ليكس، قام الأولاد بتحريك النرد لتشكيل عدد مكون من رقمين أو ثلاثة، ثم اصطفوا معا كل منهم يحمل رقما مختلفا وقاموا بتبادل الأماكن لكي يشكلوا الأعداد من الأصغر إلى الأكبر ثم العكس.
وتؤكد ليندسي بوليفوي، إحدى الطالبات في الفصل أنها ازدادت حبا للرياضيات هذا العام، وقالت: «لا أحب العجلة، فأحيانا ما أصاب بالتوتر وتعرق أصابعي وأجيب إجابة خاطئة».
* خدمة «نيويورك تايمز»
المشاهدات:


تعليقات
0 تعليقات

0 commentaires:

إرسال تعليق

أخي / أختي ، لا تتردد في ترك تعليقك