الأربعاء، 13 مارس 2013

التعلم بين المقاربة السلوكية والمقاربة المعرفية

التعلم بين المقاربة السلوكية والمقاربة المعرفية
أنجز الموضوع: زكرياء بدري
ظهر المهراز - فاس

سأتناول موضوع التعلم، حسب المقاربة السلوكية، مقارنة بالسيكولوجيا المعرفية، محاولا إبراز حدود التعلم بواسطة الحاسوب، وفهم رؤية الأستاذ العروي لأزمة التعليم في المغرب من الناحية السيكولوجية.
سأنطلق من رؤية الكاتب الكبير الأستاذ العروي، فهو يرجع أزمة التعليم في المغرب لوجود نظامين يتعايشان: أحدهما عصري (تكنولوجي) والآخر تقليدي، وهما لا يتفقان على سند مشترك أو لغة مشتركة للتواصل بينهما.

فما المقصود بكل منهما؟ وما هو الفرق الذي يميزهما؟ وعلى أي أساس يرتكزان؟
إن التعلم هو اكتساب شيء ما بصفة عامة، وهذا يعني أن التعلم يتم على موضوع معين يمكن من اكتساب معارف نظهرها في أداءاتنا أو سلوكاتنا، وتترصخ بفعل تكرار هذه الأداءات. فالتيار السلوكي في العملية التعليمية يركز على المحتوى، أي المضمون أو الرسالة، فما يسعى إليه هو نقل المعارف إلى التلميذ الذي يتعين عليه إعادتها في شكل إجابات، وتأخذ هذه العملية شكلا تراكميا للمعارف، وكأن التلميذ مرآة يعكس ما تلقاه من معارف بشكل سلبي، وهذا في إطار تصورها للدماغ على أنه صفحة بيضاء ينبغي ملؤه بالمعارف والمحتويات وفق البرديكم السائد: "مثير ← استجابة". فالعملية التعليمية تسير وفقا لهاته الخطاطة المبسطة:
مرسل ← رسالة => مرسل إليه
المنبه ← استقبال => الاستجابات (ردود الأفعال).
(المثير) (مستقبلات الرسالة)
أو كما عبر عنها Shannon:
مرسل ← ترميز ← فك الرموز ← المرسل إليه.

لكن السلوكية في التقوقعها حول هذا البرديكم عجزت عن تفسير بعض التعلمات العليا التي تتطلب قدرات وذات مستوى تجريد راق، مثل عجزها عن تفسير كيفية اكتساب اللغة باعتبار هذه الأخيرة لا تنحصر في مثير – استجابة.
فمثلا: إذا عملنا بقانون السلوكية يتوجب علينا من خلال 28 حرف اكتساب ما لا نهاية من الكلمات، إن لم نقل كل الكلمات، وهذا أمر لا تأكده الوقائع. ومن هذا الإشكال يمكن أن نقول بانبثاق المقاربة السيكولوجية المعرفية متجاوزة التصور البيضاوي للدماغ إلى إمكانية تقسيمه على الحاسوب المعالج للمعلومات بغية فهم كيفية اشتغال الذهن الإنساني.
فرغم الطبيعة المجردة للذهن التي تعوق التجربة عليه، فإن المقاربة المعرفية اهتمت بانعكاساته وتجليات قيمه وتمظهراته. وترجع عنايتها بالحاسوب لتشابهه مع النظام المعرفي لدى الإنسان (الدماغ، الذهن)، ويمكن رصد هذا التشابه في نقطتين أساسيتين: الأولى هي المكونات، والثانية هي طريقة المعالجة.
* المكونات:
الإنسان--------------------------------------------------------------- الحاسوب
الدماغ ----------------------------------------------------------------الجانب المادي (الهاردوير)
الذهن ----------------------------------------------------------------الجانب البرمجي (صوفت وير)
توفرهما على قوالب للمعالجة الخاصة ومعالجة معلومة معينة
الذاكرة القصيرة الأمد التي تحتفظ بالمعلومات الراهنة --------------الذاكرة الحية عند الحاسوب
الذاكرة البعيدة الأمد (تحتفظ بالمعلومات الدائمة) --------------------ذاكرة الكم
التوفر على قاموس لغوي -------------------------------------------قاموس إلكتروني

إن هذا الجدول يبين لنا سبب اعتماد المقاربة المعرفية على الحاسوب كعامل أول (تكويني).
كما أن هناك تشابه من حيث المعالجة، فكل منهما يستقبل المعلومة فيدركانها ويعالجانها، يخزنانها ثم يسترجعانها. فالحاسوب بعطي نتيجة، أما الإنسان فيعطي قرار. هذه المعالجة تتم وفق السيرورات التالية:

الترميز: التصنيف وفق التطمين الشبكي أو الأخطوطي؛
المقارنة: أي مقارنة أي المعلومات المستجدة بالمعرفة السالفة؛
بالإضافة إلى التركيب اللغوي (نفس خصائص اللغة من تراكيب وبنية ودلالات الكلمات: الحروف، الجمل...).
فالمقارنة المعرفية من خلال هذا التقيس، وبوضع بعض نماذج التربية المعرفية تسعى إلى جعل المتعلم محور العملية التربوية.
فالمتعلم وفق هذا التصور لم يعد مستهلكا، بل أصبح منتجا للمعرفة من خلال تعليمه كيف يتعلم، وتزويده باستراتيجية ذهنية لحل المشاكل وتفعيل وتنمية قدراتهم المعرفية، وجعلها قابلة للتحويل. فمثلا الطفل يتوفر على قدرة ذهنية حسابية حسية، عندما يتوجه إلى متجر ما ويمنحه قطعة نقدية من فئة 5 دراهم ويشتري منتوج بـ 3 دراهم يطلب من صاحب المتجر أن يرجع إليه درهمان. فهنا قد وضع عملية حسابية (عملية الطرح)، لكن عند إعطائه عملية حسابية تشتمل على الطرح مثل: 5 – 3 = 2 يعجز عن الجواب. فدور المقاربة المعرفية هو نقل هاته العمليات الذهنية من مستواها المادي إلى المستوى المجرد.
رغم هذا المجهود الذي قامت به المقاربة المعرفية في التعرف على كيفية اشتغال الذهن، إلا أنها أغفلت الجانب الوجداني عند الإنسان. فهذا الكائن يتميز بالوعي والقصدية أثناء الفعل، وإن قلنا بوحدة المعالجة فإن ردود أفعال الإنسان تختلف حسب السياق.
إن هذه الازدواجية في التعلم ليست هي العائق في حد ذاتها، لكن التباعد بينها وعدم تواصلهما في الأزمة التي تحدث عنها العروي، ذلك أن تطبيق أسس التربية المعرفية يتعين التطرق إلى ذات المتعلم، وما ينبغي أن تكون عليه، وتفعيل قدراته المعرفية، بالإضافة إلى توفر إمكانيات مادية ومعنوية عالية، وتوفر وسطاء ذوي خبرات عالية من أجل إنتاج تواصل إيجابي بين هذين النظامين، وإعادة هيكلة النظام التعليمي، واستبدال الصراع بالتعاون والتلاؤم.
فإذا قلنا بوجوب التفاعل والتواصل والتعاون بينهما، فكيف يتحقق هذا الأمر؟

لائحة المراجع:
* محاضرات الأستاذين: أباديدي و زغبوش
* المحاضرة التي القاها الأستاذ العروي بأكاديمية فاس.
* كتاب تعلم التجريد.
المشاهدات:


تعليقات
0 تعليقات

0 commentaires:

إرسال تعليق

أخي / أختي ، لا تتردد في ترك تعليقك